والشبهة الأخرى أنهم قالوا: قولكم يا أهل السنة خلاف أقوال النَّاس في هذا الحديث، فإنهم عَلَى قولين:
القول الأول: أن هذا الحديث هو إخبار عن الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أنه كَانَ وحده، ولا شيء غيره من المخلوقات، لا جنسها ولا أعيانها.
ثُمَّ إنه ما يزال دائماً كذلك، ثُمَّ ابتدأ فخلق هذا الكون المشهود، وبذلك يكون أول المخلوقات هو إما العرش أو القلم عَلَى ما سبق أن أوضحنا، ورجحنا هناك أن العرش هو أول هذا الكون المشهود المسئول عنه، إلا أنهم يقولون: الأولية هنا بإطلاق أول شيء وجد، ولم يكن قبله من المخلوقات إلا العدم المحض.
القول الثاني: أن هذا الحديث لم يتعرض لمسألة كونه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ وحده بذاته، ولم يكن هناك مخلوق قط، فلم يتعرض لهذه المسألة من قريب ولا من بعيد، وإنما تعرض لجواب السؤال الذي سأله أهل اليمن، وكان سؤالهم عن هذا العالم المشهود الذي جَاءَ في القُرْآن بيان خلقه، منها آية سورة هود هذه: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ))[هود:7] وجاء الحديث موافقاً للفظ هذه الآية، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وكان عرشه عَلَى الماء}، ثُمَّ لم يتعرض لما قبل ذلك.
فدل ذلك عَلَى أن أسبقية القلم هي بالنسبة للسموات والأرض، أما العرش فإنه هو والماء سابقان لوجود القلم.

وهذه إنما هي مجرد مسألة علمية تذكر لتعلم، لكن الذي يهم هو أن نفهم خطأ من انتقد شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ في هذه المسألة، وقَالَ: إنه يقول: إن العرش أول المخلوقات، بينما القلم هو أولها.